فصل: الخبر عن دول أهل الأندلس في الدعوة الحفصية ووصول بيعة إشبيلية وكثير من أمصارها.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.الخبر عن دول أهل الأندلس في الدعوة الحفصية ووصول بيعة إشبيلية وكثير من أمصارها.

كان بأشبيلية أبو مروان أحمد الباجي من أعقاب أبي الوليد وأبو عمرو بن الجد من أعقاب الحافظ أبي بكر الطائر الذكر ورثا التجلة عن جدهما وأجراهما الخلفاء على سننهم وكانا مسمتين وقورين متبوعين من أهل بلدهما مطاعين في أفقهما وكان السادة من بني عبد المؤمن يعولون على شوراهما في مصرها وكان بعدوة الأندلس التياث في الملك منذ وفاة المستنصر وانتزى بها السادة وافترقوا وثار بشرق الأندلس ابن هود وزيان بن مردنيش وبغربها ابن الأحمر وغلب ابن هود الموحدين وأخرجهم عنها وملك ابن هود أشبيلية سنة ست وعشرين وستمائة واعتقل من كان بها من الموحدين ثم انتقضوا عليه سنة تسع وعشرين وستمائة بعدها وأخرجوا أخاه أبا النجاة سالما وبايعوا الباجي وتسمى بالمعتضد واستوزر أبا بكر بن صاحب الرد ودخلت بيعته قرمونة وحاصره ابن هود فوصل الباجي يده بمحمد بن الأحمر الثائر بأرجونة وجيان بعد أن ملك قرطبة.
وزحف ابن هود إليهم فلقوه وهزموه ورجعوا ظافرين فدخل الباجي إلى أشبيلية وعسكر بخارجها ثم انتهز فرصته في أشبيلية وبعث قريبه ابن اشقيلولة مع أهل أرجونة والنصارى إلى فسطاط الباجي فتقبضوا عليه وعلى وزيره وقتلوهما سنة إحدى وثلاثين وستمائة ودخل ابن الأحمر أشبيلية ولشهر من دخوله إليها ثار عليه أهلها ورجعوا إلى طاعة ابن هود وولى عليهم أخاه أبا النجاة سالما ولما هلك محمد بن هود سنة خمس وثلاثين وستمائة صرف أهل أشبيلية طاعتهم إلى الرشيد بمراكش وولوا على أنفسهم محمد بن السيد أبي عمران الذي قدمنا أنه كان واليا بقسنطينة وأن الأمير أبا زكريا غلبه عليها واعتقله وبعث ولده إلى الأندلس فربي محمد هذا في كفالة أمه بأشبيلية ولما سار أهل أشبيلية للرشيد قدموه على أنفسهم وتولى كبر ذلك أبو عمرو بن الجد وبعثوا وفدهم إلى الحضرة فأقر السيد أبا عبد الله على ولايتهم واستمرت في دعوة الرشيد إلى أن هلك سنة أربعين وستمائة وقد ملك الأمير أبو زكريا تلمسان وأشرف على أعمال المغرب فاقتدوا بمن تقدم إلى بيعته من أهل شرق الأندلس ببلنسية ومرسية وبايعوا للأمير أبي زكريا بن أبي محمد بن أبي حفص واقتدى بهم أهل شريش وطريف وبعثوا إليه وفدهم ببيعته سنة إحدى وأربعين وستمائة وسألوا منه ولاية بعض أهل قرابته فولى عليهم أبا فارس ابن عمه يونس بن الشيخ أبي حفص فقدم أشبيلية وقام بأمرها وسلم له ابن الجد في نقضها وإبرامها.
ثم انتقض عليه سنة ثلاث وأربعين وستمائة وطرده من البلد إلى سبتة واستبد بأمر أشبيلية ووصل يده بالطاغية وعقد له السلم وضرب على أيدي أهل المغاورة من الجند وأسقطهم من ديوانه فقتلوه بإملاء قائدهم شفاف واستقبل بأمر أشبيلية ورجع أبا فارس بن أبي حفص وولاه بدعوة الأمير أبي زكريا فسخطهم الطاغية لذلك وانتقض عليهم وملك قرمونة ومرشانة ثم زحف إلى حصرهم وسألوه الصلح فامتنع.
وصار أمر البلد شورى بين القائد شفاف وابن شعيب ويحيى بن خلدون ومسعود بن خيار وأبي بكر بن شريح ويرجعون في أمرهم آخرا إلى الشيخ أبي فارس بن أبي حفص.
وأقاموا في هذا الحصار سنتين ونازلهم ابن الأحمر في جملة الطاغية وبعث إليهم الأمير أبو زكريا المدد وجهز له الأسطول نظر أبي الربيع بن الغريغر التينمللي وأوعز له إلى سبتة بتجهيز أسطولهم معه فوصل إلى وادي أشبيلية وغلبهم أسطول الطاغية على مرسية فرجع واستولى العدو عليها صلحا سنة ست وأربعين وستمائة بعد أن أعانهم ابن الأحمر بمدده وميرته وقدم الطاغية على أهل الدخن بها عبد الحق بن أبي محمد البياسي من آل عبد المؤمن والأمر لله.

.الخبر عن بيعة أهل سبتة وطنجة وقصر ابن عبد الكريم وتصاريف أحوالهم ومال أمرهم.

كان أهل سبتة بعد إقلاع المأمون عنهم ونزول أخيه موسى عنها لابن هود قد انتقضوا وأخرجوا عنهم القشتيني والي ابن هود وقدموا عليهم أحمد الينشتي وتسمى بالموفق ثم رجعوا إلى طاعة الرشيد عندما بايعه أهل أشبيلية سنة خمس وثلاثين وستمائة وتقبضوا على الينشتي وابنه وأدخلوا السيد أبا العباس ابن السيد أبي سعيد كان واليا بغمرة فولوه عليهم ثم عقد الرشيد على ديوان سبتة لأبي علي بن خلاص كان من أهل بلنسية واتصل بخدمة الرشيد فجلى فيها ودفعه إلى الأعمال فضبطها فولاه سبتة فاستقل بها وولى على طنجة يوسف ابن الأمير قائدا على الرحل الأندلسي وضابطا لقصبتها حتى إذا هلك الرشيد سنة أربعين وستمائة وقد استفحل أمر الأمير أبي زكريا بأفريقية واستولى على تلمسان وبايعه الكثير من أمصار الأندلس فصرف ابن خلاص وجهه إليه.
وكان قد اقتنى الأموال واصطنع الرجال فدخل في دعوته وبعث الوفد ببيعته واقتدى به في ذلك أهل قصر ابن عبد الكريم فبعثوا بيعتهم للأمير أبي زكريا وعقد لابن خلاص على سبتة وما إليها فبعث بالهدية إليه في أسطول أنشأه لذلك سماه الميمون وأركب ابنه أبا القاسم فيه وافدا على السلطان ومعه الأديب إبراهيم بن سهل فعطب عند إقلاعه ولما رجع الأسطول من أشبيلية كما قدمناه على بقية هذا العطب وحزن أبي علي بن خلاص على ابنه رغب من قائده أبي الربيع بن الغريغر أن يحمله بجملته إلى الحضرة فانتقل بأهله واحتمل ذخيرته ولما مر الأسطول بمرسي وهران نزل بساحلها فأراح وأحضر له تين فأكله فأصابه مغص في معاه هلك منه فجأة سنة ست وأربعين وستمائة وعقد السلطان على سبتة لأبي يحيى ابن زكريا ابن عمه أبي يحيى الشهيد بن الشيخ أبي حفص وبعث معه على الجباية أبا عمر بن أبي خالد الأشبيلي كان صديقا لشفاف وعدوا لابن الجد ولما قتل شفاف لحق بالحضرة فولاه الأمير أبو زكريا أشغال سبتة استمرت الحال إلى أن كان من استبداد العزفي بسبتة ما نذكره.